الخليج- غزو الكويت، الطمع الإقليمي، ووحدة القيادة والشعب
المؤلف: محمد الساعد08.21.2025

في الثاني من أغسطس، انقضت الذكرى السنوية الخامسة والثلاثون للغزو العراقي الغاشم للكويت. لم يكن هذا الاعتداء الآثم وليد نزاع سياسي أو اقتصادي، كما زعم الطاغية صدام حسين زوراً وبهتاناً آنذاك. فلو كان الأمر كذلك، لتمكن الوسطاء العقلاء من إيجاد حل لتلك الأزمة حتى بعد أسابيع من وقوع الجريمة النكراء، لكن العراق أبى إلا التصلب والتعنت ورفض أي تسوية منصفة، إذ كان مبتغاه الأساسي هو الاستيلاء على مقاليد الحكم في الكويت ومن ثم نهب ثرواتها وخيراتها الطائلة.
ألم يتهم صدام المقبور الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك -بشهادة مبارك نفسه- بالتهاون وعدم الحزم؟ لقد راهن صدام على أن تلك الضغوط الدولية المتزايدة سوف تتلاشى تدريجياً، وأن الموقف العالمي الرافض للغزو سيتآكل مع مرور الوقت، وبالتالي سينجح في الفوز بكعكة الخليج الدسمة وتقاسمها مع حلفائه.
يذكر الجنرال نورمان شوارتزكوف، القائد المحنك لقوات التحالف الدولي في حرب تحرير الكويت، في كتابه الذائع الصيت: أن تدفق قوات التحالف الهائلة إلى المملكة العربية السعودية في بداية الغزو كان يهدف إلى منع صدام من التوسع جنوباً نحو الأراضي السعودية. ثم بادر الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- بإقناع الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالف سعودي دولي قوي لتحرير الكويت من براثن الاحتلال. لقد أخذ الفهد الراحل على عاتقه تلك المهمة الصعبة ونجح فيها بجدارة واقتدار.
انتهت الحرب المريرة وخرج العراق ذليلاً مهزوماً من الكويت، وعاد الكويتيون الأحرار وآل الصباح الكرام، العائلة الحاكمة النبيلة، إلى وطنهم الغالي. لكن شيئاً واحداً لم ينتهِ أبداً، وهو جشع بعض الحكومات والشعوب في دول المنطقة وثروات الخليج العربي الوفيرة. هذه ليست مجرد تهمة باطلة يحاولون التنصل منها، بل هي إحدى أهم الأولويات التي تشغل بال المثقف قبل السياسي.
لكن الأمر الأهم بالنسبة لهم هو كيف يمكنهم تفكيك العلاقة الوثيقة والراسخة بين حكام الخليج وشعوبهم المخلصين. فهم يعلمون يقيناً أنهم إذا تمكنوا من تقويض تلك العلاقة المتينة، فسيكون من السهل عليهم الاستيلاء على الثروات فيما بعد. ولذلك، فقد عملوا بدأب على مدى عقود طويلة على ضرب مصداقية ومكانة العائلات الحاكمة، وتفكيك المجتمعات الخليجية المتماسكة، ثم إشعال نار الفتنة والبغضاء بين شعوبها عبر نشر الكراهية والأحقاد والخلافات العميقة. بل وصل بهم الأمر إلى محاولة تنفيذ انقلابات عسكرية ضدها، وأخيراً الغزو المباشر، الذي كان يهدف إلى تنصيب عملاء خونة يحكمون المنطقة بالوكالة ويمكّنونهم من السيطرة على مقدرات الخليجيين.
وما كان العداء المستحكم للأسر الحاكمة الخليجية إلا بسبب عجزهم عن التحكم في القرار السياسي والمالي المستقل لدول الخليج. فلو سمحت تلك الدول باستباحة سيادتها وقرارها المالي، لما واجهت كل تلك الحملات الإعلامية المضللة والاتهامات الباطلة. وفي اعتقادي الجازم أن السبب الرئيسي لغزو العراق للكويت هو فشل صدام في الهيمنة على قرار الكويت وثرواتها النفطية الهائلة، ولا أدل على ذلك من تشكيل حكومة صورية هزيلة في الأيام الأولى للغزو.
لقد تعرضت البحرين الشقيقة لمؤامرة دنيئة وكبرى في بداية ما يسمى بالخريف العربي المشؤوم، وكان الهدف منها النيل من رمزية ومكانة الأسرة الحاكمة. كما تعرضت دولة الإمارات العربية المتحدة هي الأخرى لخيانة غادرة من تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، الذي شكّل تنظيماً إجرامياً للاستيلاء على السلطة بالقوة. وتعرضت المملكة العربية السعودية مبكراً لمحاولات يائسة من قبل المتطرفين لزعزعة استقرارها وأمنها، بدءاً من تفجيرات الخبر المروعة عام 1996، وتفجيرات الرياض وينبع والخبر ومكة المكرمة، فضلاً عما تعرضت له الكويت الحبيبة طوال تاريخها من محاولات لزعزعة استقرارها، وأخيراً الغزو الغاشم الذي لا يغتفر.
ومع كل تلك الحملات المغرضة والتشويه المتعمد، باءت بالفشل الذريع محاولات الفصل بين الأسر الحاكمة وشعوبها الوفية، وذلك بفضل نجاح الأسر الحاكمة في توظيف الثروات النفطية وتوزيعها بعدالة على مواطنيها بل وحتى المقيمين على أرضها. فالتعليم الراقي، والتأهيل المتميز، والتنمية الاجتماعية الشاملة، والرعاية الصحية المتطورة، والبنية التحتية الحديثة، وجودة الحياة الرفيعة، ومنح القروض الميسرة للإسكان، كلها عوامل ترسخ الولاء والانتماء الذي يصعب كسره.
لم تخشَ الأسر الحاكمة الرشيدة في الخليج من شعوبها قط، بل سعت جاهدة لمساعدتهم في التعلم والتحضر والتقدم، ليكونوا الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها في دفع دولهم إلى ما وصلت إليه اليوم من مكانة اقتصادية وتعليمية وحضارية مرموقة على الصعيد الدولي.
الكراهية لم تتوقف عند حدود صدام وأمثاله من الطغاة، بل تجاوزتهم لتستقر في عقول ونفوس الكثيرين. ولعلنا نتذكر جميعاً كيف أن الكويت في الستينات والسبعينات -انطلاقاً من موقفها القومي العروبي الأصيل- احتضنت المقاومة الفلسطينية بكل فخر واعتزاز، بل وتحولت صحافتها إلى منبر حر ومفتوح للسردية الفلسطينية. ومع ذلك، اختصر ياسر عرفات علاقاته بالكويت بإنكار الجميل وتأييد الغزو الغاشم، والارتماء في أحضان صدام المجرم، إذ كان عرفات وبقية المتحالفين معه يتوقعون بسذاجة سقوط بقية دول الخليج الواحدة تلو الأخرى في شباك لصوص النفط الجدد.
إن الحقد الدفين وتمني زوال الثروات الخليجية هو أمر قديم قدم ظهور النفط في صحاري الخليج. وللتذكير، فقد ظهر البترول بأنواعه ومشتقاته المختلفة في كثير من دول المنطقة، لكن النجاح الخليجي الباهر يكمن في القدرة الفائقة على توظيف تلك الثروات الناضبة وتحويلها إلى اقتصاد مستدام ومتنوع. ولذلك، فإن ثروة الخليج الحقيقية لا تقتصر على النفط فحسب، بل تتجسد أيضاً في الأسر الحاكمة الحكيمة التي استطاعت إدارة تلك الثروات وتعظيم أثرها الإيجابي على شعوبها.
ألم يتهم صدام المقبور الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك -بشهادة مبارك نفسه- بالتهاون وعدم الحزم؟ لقد راهن صدام على أن تلك الضغوط الدولية المتزايدة سوف تتلاشى تدريجياً، وأن الموقف العالمي الرافض للغزو سيتآكل مع مرور الوقت، وبالتالي سينجح في الفوز بكعكة الخليج الدسمة وتقاسمها مع حلفائه.
يذكر الجنرال نورمان شوارتزكوف، القائد المحنك لقوات التحالف الدولي في حرب تحرير الكويت، في كتابه الذائع الصيت: أن تدفق قوات التحالف الهائلة إلى المملكة العربية السعودية في بداية الغزو كان يهدف إلى منع صدام من التوسع جنوباً نحو الأراضي السعودية. ثم بادر الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- بإقناع الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالف سعودي دولي قوي لتحرير الكويت من براثن الاحتلال. لقد أخذ الفهد الراحل على عاتقه تلك المهمة الصعبة ونجح فيها بجدارة واقتدار.
انتهت الحرب المريرة وخرج العراق ذليلاً مهزوماً من الكويت، وعاد الكويتيون الأحرار وآل الصباح الكرام، العائلة الحاكمة النبيلة، إلى وطنهم الغالي. لكن شيئاً واحداً لم ينتهِ أبداً، وهو جشع بعض الحكومات والشعوب في دول المنطقة وثروات الخليج العربي الوفيرة. هذه ليست مجرد تهمة باطلة يحاولون التنصل منها، بل هي إحدى أهم الأولويات التي تشغل بال المثقف قبل السياسي.
لكن الأمر الأهم بالنسبة لهم هو كيف يمكنهم تفكيك العلاقة الوثيقة والراسخة بين حكام الخليج وشعوبهم المخلصين. فهم يعلمون يقيناً أنهم إذا تمكنوا من تقويض تلك العلاقة المتينة، فسيكون من السهل عليهم الاستيلاء على الثروات فيما بعد. ولذلك، فقد عملوا بدأب على مدى عقود طويلة على ضرب مصداقية ومكانة العائلات الحاكمة، وتفكيك المجتمعات الخليجية المتماسكة، ثم إشعال نار الفتنة والبغضاء بين شعوبها عبر نشر الكراهية والأحقاد والخلافات العميقة. بل وصل بهم الأمر إلى محاولة تنفيذ انقلابات عسكرية ضدها، وأخيراً الغزو المباشر، الذي كان يهدف إلى تنصيب عملاء خونة يحكمون المنطقة بالوكالة ويمكّنونهم من السيطرة على مقدرات الخليجيين.
وما كان العداء المستحكم للأسر الحاكمة الخليجية إلا بسبب عجزهم عن التحكم في القرار السياسي والمالي المستقل لدول الخليج. فلو سمحت تلك الدول باستباحة سيادتها وقرارها المالي، لما واجهت كل تلك الحملات الإعلامية المضللة والاتهامات الباطلة. وفي اعتقادي الجازم أن السبب الرئيسي لغزو العراق للكويت هو فشل صدام في الهيمنة على قرار الكويت وثرواتها النفطية الهائلة، ولا أدل على ذلك من تشكيل حكومة صورية هزيلة في الأيام الأولى للغزو.
لقد تعرضت البحرين الشقيقة لمؤامرة دنيئة وكبرى في بداية ما يسمى بالخريف العربي المشؤوم، وكان الهدف منها النيل من رمزية ومكانة الأسرة الحاكمة. كما تعرضت دولة الإمارات العربية المتحدة هي الأخرى لخيانة غادرة من تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، الذي شكّل تنظيماً إجرامياً للاستيلاء على السلطة بالقوة. وتعرضت المملكة العربية السعودية مبكراً لمحاولات يائسة من قبل المتطرفين لزعزعة استقرارها وأمنها، بدءاً من تفجيرات الخبر المروعة عام 1996، وتفجيرات الرياض وينبع والخبر ومكة المكرمة، فضلاً عما تعرضت له الكويت الحبيبة طوال تاريخها من محاولات لزعزعة استقرارها، وأخيراً الغزو الغاشم الذي لا يغتفر.
ومع كل تلك الحملات المغرضة والتشويه المتعمد، باءت بالفشل الذريع محاولات الفصل بين الأسر الحاكمة وشعوبها الوفية، وذلك بفضل نجاح الأسر الحاكمة في توظيف الثروات النفطية وتوزيعها بعدالة على مواطنيها بل وحتى المقيمين على أرضها. فالتعليم الراقي، والتأهيل المتميز، والتنمية الاجتماعية الشاملة، والرعاية الصحية المتطورة، والبنية التحتية الحديثة، وجودة الحياة الرفيعة، ومنح القروض الميسرة للإسكان، كلها عوامل ترسخ الولاء والانتماء الذي يصعب كسره.
لم تخشَ الأسر الحاكمة الرشيدة في الخليج من شعوبها قط، بل سعت جاهدة لمساعدتهم في التعلم والتحضر والتقدم، ليكونوا الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها في دفع دولهم إلى ما وصلت إليه اليوم من مكانة اقتصادية وتعليمية وحضارية مرموقة على الصعيد الدولي.
الكراهية لم تتوقف عند حدود صدام وأمثاله من الطغاة، بل تجاوزتهم لتستقر في عقول ونفوس الكثيرين. ولعلنا نتذكر جميعاً كيف أن الكويت في الستينات والسبعينات -انطلاقاً من موقفها القومي العروبي الأصيل- احتضنت المقاومة الفلسطينية بكل فخر واعتزاز، بل وتحولت صحافتها إلى منبر حر ومفتوح للسردية الفلسطينية. ومع ذلك، اختصر ياسر عرفات علاقاته بالكويت بإنكار الجميل وتأييد الغزو الغاشم، والارتماء في أحضان صدام المجرم، إذ كان عرفات وبقية المتحالفين معه يتوقعون بسذاجة سقوط بقية دول الخليج الواحدة تلو الأخرى في شباك لصوص النفط الجدد.
إن الحقد الدفين وتمني زوال الثروات الخليجية هو أمر قديم قدم ظهور النفط في صحاري الخليج. وللتذكير، فقد ظهر البترول بأنواعه ومشتقاته المختلفة في كثير من دول المنطقة، لكن النجاح الخليجي الباهر يكمن في القدرة الفائقة على توظيف تلك الثروات الناضبة وتحويلها إلى اقتصاد مستدام ومتنوع. ولذلك، فإن ثروة الخليج الحقيقية لا تقتصر على النفط فحسب، بل تتجسد أيضاً في الأسر الحاكمة الحكيمة التي استطاعت إدارة تلك الثروات وتعظيم أثرها الإيجابي على شعوبها.